الخبير في القضايا الأمنية والعسكرية عبد الرحمن المكاوي لـ"الصحيفة": الحرب مع الجزائر "مستبعدة" إلاّ إذا كان النظام العسكري على وشك الانهيار التام
أكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "ديجون" الفرنسية والخبير في القضايا الأمنية والعسكرية عبد الرحمن المكاوي في حوار مع "الصحيفة" أن النظام العسكري في الجزائر يلوّح بالحرب دون اللجوء إليها بغرض إحداث نخبة وطنية داخل المجتمع الجزائري.
وأشار المكاوي أن أسطوانة الحر أسس لها العقيد الجزائري الكولونيل عبد الحفيظ بوصوف سنة 1959، عندما أنشأ استخبارات الجزائر، أو ما يسمى لجنة التنظيم العسكرية، وهي العقيد لازالت نظرياته وتوجيهاته تدرس في الأكاديميات العسكرية الجزائرية، وتقوم على محاولة خلق أعداء وهميين ومن بينهم نجد المغرب الذي يصنف كعدو كلاسيكي ومباشر للجزائر، مشيرا في نفس الحوار إلى النظام العسكري الجزائري، يعلم جيدا أن مغرب السبعينيات ليس هو مغرب 2024، الذي أصبح يتوفر على جيش ملكي مُحترف، في مستوى الجيوش المتقدمة وتتوفر لديه أسلحة متطورة ونوعية برا بحرا وجوا.
- تعرف المنطقة المغاربية، سباق تسلح "مُرعب" بين المغرب والجزائر دفع البلدين إلى الرفع من ميزانيتها لإبرام الصفقات تلوى الأخرى.. ما هي قراءتك لهذا الأمر؟
يعود هذا السباق نحو التسلح لإبرام تحالفات متعددة مع الكثير من الدول العظمى والمتقدمة إلى كون المنطقة تعرف عدم استقرار وانعدام أمن في ظل التحولات الجيوسياسية والاستراتيجية التي تهدد المنطقة المغاربية، وشمال إفريقيا بأكملها، وهذا ما يدعو الدول أيضا إلى اقتناء أسلحة متطورة حسب ميزانياتها وحاجياتها بغرض حماية أمنها القومي بالدرجة الأولى.
وعلى اعتبار أن المنطقة تعرف نوعا من اللا استقرار واللا أمن وهي مهددة بكثير من التحديات والمخاطر على رأسها الانفصال والإرهاب، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، كما تشهد تدخلات مختلفة لكثير من القوى العالمية، نظرا لغنى ووجود ثروات متعددة ومختلفة وهائلة في القارة، وكلها عوامل تجعل المنطقة خاصة والقارة عامة تعيش نوعا من اللا استقرار يفرض الاستعداد لكل الاحتمالات.
إضافة إلى هذه التحديات توجد تخوفات من الانهيارات المفاجئة لبعض الدول وانتشار الفوضى، وهذا ما يخشاه الكثير من الملاحظين الاستراتيجيين في المستقبل المتوسط والبعيد، وهذه التحولات والتغيرات التي تطرأ على بعض البنيات السياسية في المنطقة قد تزعزع استقرار الكثير من الدول. وقد رأينا ما يحدث في ليبيا من اقتتال بين الإخوة الأشقاء في طرابلس والانسداد السياسي والأزمة الاقتصادية الاجتماعية في الجزائر وترحيل المشاكل للخارج، وكذا، الانقلاب في النيجر ومالي وبوركينافاسو وغينيا، وبالتالي المنطقة كلها تمر بمرحلة صعبة قد تؤدي إلى تغييرات جيوستراتيجية وجغرافية محتملة، ولهذا ينبغي تفسير هذا السياق الجنوني نحو التسلح لشرح وتفسير هذه المخاطر التي تحدد حاجيات الدول في اقتناء الأسلحة للدفاع عن أمنها القومي.
- ماذا بخصوص التغيير المرتقب في خريطة القوى العالمية، خصوصا في إطار الصراع الثنائي المستمر بين محوري روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ثم دخول الخطر الإيراني والصين على الخط وتراجع قوة فرنسا إقليميا، إلى أي حد أصبحت اليوم القارة مسرحا لهذا النزال؟
نعم، صحيح، هناك تواجد أمريكي قديم في المنطقة، وهناك تواجد روسي كذلك من خلال جيش خاص يسمى بـ "الفاغنر"، كما أن هناك أكبر قاعدة عسكرية للصين الشعبية في جيبوتي مقدرة بـ 12 ألف جندي، وهناك تواجد تركي وإيراني أيضا، فالكل يبحث عن موطئ قدم في هذه المنطقة، لأنها تزخر بثروات متعددة وخاصة المعادن الاستراتيجية كالليثوم والذهب والفضة والماس واليورانيوم، إضافة إلى أن هذه المنطقة تحتها بحر من المياه العذبة التي تحوّلت إلى موضوع نزاعات إقليمية بين الدول، سواء بين الجزائر وتونس وليبيا من جهة، أو بين مالي والجزائر من جهة ثانية، وبين النيجر ونيجيريا من جهة ثالثة، وبالتالي الماء أصبح عاملا النزاعات والتوترات المستقبلية في هذه المنطقة.
وهذه الدول التي ذكرتها باختصار، سواء الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، وألمانيا وبريطانيا، مهتمة بإيجاد موطئ قدم في شمال أفريقيا وفي الصحراء الكبرى والساحل، في حين تركيا من جانبها وإيران والصين في تسابق محموم بينها للسيطرة على ثروات المنطقة، إلى جانب أيضا اليقظة الشعبية من طرف الشعوب الأفريقية حول تقرير مصير هذه الدول التي قسّمتها فرنسا ديغول سنة 1960 إلى إثنيات لتجعل الطوارق أكراد إفريقيا، وكذلك قبيلة الهوسا الكبيرة والمنتشرة في دول غرب أفريقيا وأيضا الفولانيين وآخرين على غرار قبيلة اولاد سليمان الممتدة من الجزائر إلى ليبيا والنيجر، ثم أفريقيا الوسطى ومالي، كما يوجد بركان من الإثنيات والقبائل التي كانت ضحية التقسيم الجغرافي الفرنسي آنذاك.
أما فرنسا الآن، فتعيش مرة أخرى ما يسمي بـ "واترلو" ماكرون في أفريقيا، على غرار هزيمة نابليون بونابارت في 1818 أمام الانجليز وخسارتها للعديد من الأقاليم، وبالتالي الوضع متأزم والسياق يدعو للقلق والانزعاج، لكن أيضا الأفارقة مدعوون إلى إعادة ترتيب القارة من جديد على أساس استغلال ثرواتهم الطبيعية، والتعاون جنوب/ جنوب وهذا ما يقوم به المغرب منذ سنوات بعدما دشن الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش، هذا التعاون باعتباره المخرج الوحيد لإنقاذ أفريقيا من الانهيار التام والفوضى الشاملة.
- أفهم من كلامك، وجود بوادر عدم استقرار في المنطقة قد تقود المملكة المغربية نفسها صوب حرب مع محيطها الإقليمي في سياق إعادة ترتيب الأوراق في القارة؟
نعم، هناك مخاطر وتحديات تهدد المملكة، ومن بينها خطر الانفصال الذي تدعمه دولة جارة، وكذلك يوجد الإرهاب الذي لبس لِبَاسًا إسلاميا، إضافة إلى مسألة التلويح بالحرب دون اللجوء إليها من طرف الجيران وتوظيف هذه البروباغاندا لأغراض داخلية جزائرية-جزائرية، لاستتباب حكم النظام العسكري.
وإضافة إلى هذا، توجد تدخلات أجنبية، تحاول إركاع المغرب لِتُوجه إملاءاتها الاقتصادية والسياسية، ولهذا فالمملكة، قوية بيقظتها وجيشها الملكي واستخباراتها، وباتت تعمل على كبح جماح هذه التهديدات كيفما كانت، والملك يحاول دائما، تهدئة النفوس، في وقت أن الجيران عادة ما يلوحون ويلجؤون لاستعمال مصطلح "الحرب"، وهنا نستحضر أن جيوش التنظيمات الإرهابية، كانت في الأول تنظيمات إجرامية ثم إرهابية، ثم جيوش تستميلها بعض الدول لتهديد أمن واستقرار المملكة.
والإرهاب بدوره، أصبح نوعا من أنواع الحرب، وهذا ما تؤكده جميع الدراسات العسكرية في الغرب، فهذا الخطر لازال قائما ولازال المغرب يفكك عدد من هذه التنظيمات الإرهابية والاجرامية التي تحاول ضرب استقرار البلد، كما يُمكن أن نلخص هذا في أنه لا يوجد أي بلد في العالم في منأى عن الأخطار والتحديات الخارجية ولا يوجد صفر خطر في العلوم الاستراتيجية والعلوم الأمنية. والمغرب بلد مستهدف نظرا للإقلاع الاقتصادي والانفتاح السياسي والاجتماعي في البلد، بل وأصبح مستهدفا، وهدفا لبعض أعدائه سواء القريبين أو البعيدين، ولهذا لا يوجد أي بلد في منأى عن الإرهاب والانفصال والإرهاب والجريمة العابرة للقارات.
- إذا ما استحضرنا سباق التسلح المحموم بين المغرب والجزائر خصوصا في الأربع سنوات الأخيرة، والتي تتزامن أيضا والتوتر السياسي الذي ذهب حد القطيعة الدبلوماسية، هل هو مؤشر على إمكانية دخول البلدين في حرب مباشرة؟
أعتقد أن النظام العسكري في الجزائر يلوّح بالحرب دون اللجوء إليها بغرض إحداث نخبة وطنية داخل المجتمع الجزائري، وبطبيعة الحال هذه الأسطوانة أسس لها العقيد الكولونيل عبد الحفيظ بوصوف سنة 1959، عندما أنشأ استخبارات الجزائر، أو ما يسمى لجنة التنظيم العسكرية، وعلى أيّة حال هذا العقيد لازالت نظرياته وتوجيهاته تدرس في الأكاديميات العسكرية الجزائرية، وتقوم على محاولة خلق أعداء وهميين ومن بينهم نجد المغرب الذي يصنف كعدو كلاسيكي ومباشر للجزائر، لكن من جهة ثانية، النظام العسكري الجزائري، يعلم جيدا أن مغرب السبعينيات ليس هو مغرب 2024، الذي أصبح يتوفر على جيش ملكي مُحترف، في مستوى الجيوش المتقدمة وتتوفر لديه أسلحة متطورة ونوعية برا بحرا وجوا.
المغرب أصبحت له تحالفات عسكرية وأمنية، وأصبح بإمكانه الدفاع عن أمنه القومي بكل جدارة واستحقاق، أما الجزائر مثلا فقد أنفقت في سنة (2022) أكثر من 35 مليار دولار من الأسلحة الروسية والصينية، بعضها متطور ولكن أغلبيتها لا تصمد أمام الأسلحة المتطورة للجيش الملكي المغربي الذي انتبه منذ 1999 إلى عدم الانخراط في السياسة الجنونية للتسلح للقادة الجزائريين على حساب التنمية، وراهن بالمقابل على النوعية في الأسلحة والتحالفات والمعلومات الاستخباراتية العسكرية، ومن يملك المعلومة العسكرية بطبيعة الحال يملك البحر والجو والبر، ولهذا فالمغرب يتوفر على بنك معلومات استخباراتية وعسكرية مهمة، تجعله قادرا على الدفاع عن نفسه.
- إذا ما استحضرنا التراكم التاريخي وعقدة "حرب الرمال" التي ما زالت حاضرة وتحولت إلى عقيدة لدى الجيش الجزائري، ألا يسعنا القول إن طبول الحرب قد تدق فعليا وهي في حكم المؤجلة فقط؟
الحرب في الوقت الراهن مستبعدة، ما عدا إذا كان النظام على وشك الإنهيار التام أو دخول البلدين في فوضى بينية، آنذاك، فقط قد يلجأ الجنرالات إلى فتح هذه الحرب، أما في الوقت الراهن يلوحون بالحرب كوسيلة دعائية للداخل الجزائري واجندتهم الداخلية وحسابات تدخل في إطار صراعات الأجنحة، واستراتيجية المغرب حاليا من جهة أخرى، هي نزع فتيل الخطاب العدائي وتطمينهم على أن المغرب لن يكون مصدرا للشرور والخطر، وهذا طبعا يزعجهم كثيرا، فعقيدتهم بنيت على أساس نظرية العداء للمغرب بغرض تشتيت اللحمة الداخلية.
- إلى جانب الجزائر، في نظرك هل يشكل جوار المغرب الصعب تهديدا أمنيا على المملكة في سياق التوترات والتحولات الإقليمية المتواترة مثل التوتر النسبي جنوبا مع موريتانيا حول وضعية الكويرة وبعض مواقفها الغامضة من قضية الصحراء، ثم مع الجارة الشمالية إسبانيا وواقع استمرار احتلالها لمدينتين مغربيتين وعدد من الجزر التي لم يتخل المغرب عن المطالبة بها في أي وقت.. هل يمكن لهذه الملفات العالقة أن تؤدي إلى حرب بين المغرب وإسبانيا أو مع موريتانيا؟
بالنسبة لموريتانيا، هي مهدّدة أكثر من "البوليساريو" التي قد تحركها الجزائر لتغيير مواقفها، أما بالنسبة للمغرب فالموريتانيين يعلمون أن المملكة سَنَدهم الكبير سواء سياسيا أو عسكريا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، والامتدادات بيننا وبين "بلاد شنقيط" تجعلهم في منأى عن أي خطر قد يأتيهم من شمالهم، وهم يعلمون أن الخطر الذي يتهدد موريتانيا يأتي من مرتزقة "فاغنر" القريبين من حدودها، وكذا من الحركات الإرهابية، وأيضا من جبهة "البوليساريو" والجزائر.
والحكام الموريتانيين، مصلحتهم الاستراتيجية هي الحياد التام في الصراع القائم بين المغرب والجزائر حول الصحراء، وهذا الحياد هو الذي يعطيهم مناعة، إضافة إلى كون البلد أصبحت تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية ولها علاقات عسكرية واستخباراتية مع إسرائيل، وبالتالي يعلمون جيدا أن مصدر الأخطار المحدّقة بهم لا يُعَدُ المغرب جزءا منها.
المغرب في حالة ما وقعت موريتانيا في نزاع مع هذا الثلاثي، فإنه لن يقف مكتوف الأيدي وسيسخر قواته باعتباره قوة عسكرية كبيرة باعتراف جميع الدول المتقدمة وعلى رأسها معاهد الاستخبارات العسكرية القريبة من الحلف الأطلسي، فهو الدولة التي تتوفر على جيش متمكن في المنطقة ككل.
ماذا بخصوص إسبانيا؟
لا يمكننا أن نقع في البروباغندا التي يروج لها اليمين الفرانكوفوني. فحاليا دوائر الدراسات الاستراتيجية والاستخباراتية في إسبانيا، أصبحت تحول نظرها من الخطر القادم من المغرب إلى الخطر القادم من الجزائر والبوليساريو وفاغنر. وهذا يعني أنه يوجد تحول استراتيجي في النظرة إلى المخاطر والتحديات التي تواجهها المملكة الإسبانية، ودعاية اليمين المتطرف أصبحت تتآكل بحضور هذا الثلاثي (فاغنر، الجزائر، البوليساريو) والجريمة المنظمة والإرهاب، إذ يعي الإسبان جيدا أنه الخطر الذي ينبغي أخذه بعين الاعتبار وليس المغرب.
وبالنسبة لمليلية وسبتة والجزر الجعفرية، هي ملفات مرتبطة بمصير جبل طارق، كما أن الاسبان يعلمون جيدا أن ساكنة هاتين المدينتين أصبحت 90 في المائة منهم من المسلمين، وبالتالي فقضية استقلالهم أو تحريرهم هي مسألة وقت فقط.
- إذا وصلنا لكل هذه الفرضيات.. إذن لم يتسلح المغرب؟
المغرب يتسلح للدفاع عن أمنه القومي، ويعرف تقدما وتنمية سريعة في جميع الميادين ويتسلح لأنه يعرف أنه مستهدف بخطر الإرهاب، والإنفصال يحدّق به، وكذا، بتوظيف الجماعات الإرهابية إلى جيوش صغيرة، وكلها عوامل تجعل المغرب يتسلح ليدافع عن نفسه وقت الحاجة.